ألا وإنَّ مِن اشتِغالِ المَرءِ بما لا يَعنِيه: تعلُّمَ ما لا يُهِمُّ مِن الأمور، وتركَ
الأهمِّ مِنها مما فِيه صلاحُ قلبِه، وتزكِيةُ نفسِه،
ونفعُ إخوانِه، ورفعُ شأنِ وطنِه ورُقِيِّ أمَّتِه.
ومِنه أيضًا: عدمُ حِفظِ اللِّسان عن لَغوِ الكلام، وعن تتبُّع ما لا يُهِمُّ ولا ينفَع
تتبُّعُه مِن أخبارِ الناسِ وأحوالِهم، وأموالِهم، ومِقدار إنفاقِهم وادِّخارِهم،
وإحصاءِ ذلك علَيهم، والتنقِيبِ عن أقوالِهم وأعمالِهم داخِلَ دُورِهم وبين
أهلِيهم وأولادِهم بغَيرِ غرَضٍ شرعيٍّ سِوَى الكَشفِ عما
لا يَعنِيه مِن خاصِّ شُؤونِهم، وخفِيِّ أمورِهم.
ومِن ذلك أيضًا: تكلُّمُ المرء فيما لا يُحسِنُه ولا يُتقِنُه مما لم يُعرَف له
اختِصاصٌ فِيه، ولا سابِقُ إلمامٍ وخِبرةٍ بِه، وما ذلك إلا لطلَبِ التسلِّي
وإزجاءِ الوقتِ وإضاعتِه في تصدُّر المجالِس، وصَرفِ الأنظار إليه،
وقد يخرُجُ به ذلك إلى الخَوضِ فيما لا يجوزُ الخَوضُ فِيه مِن أحاديث
الفواحِشِ والشَّهوات، ووصفِ العَورَات، وقَذفِ المُحصَنات المُؤمنات الغافِلات،
ونشر قَالَة السُّوء، وبَثِّ الشَّائِعات والأكاذِيب والأخبار
المُفتَرَيات.