وَلَقَدْ ضَرَبَ لَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَثَلًا مِنْ أَرْوَعِ الْأَمْثِلَةِ، يُبَيِّنُ الْحَدَّ الْفَاصِلَ بَيْنَ الْحُرِّيَّةِ وَالْفَوْضَى، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ؛ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا؛ فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا؛ فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
فِي هَذَا الْمَثَلِ الرَّائِعِ يَتَبَيَّنُ الْمَوْقِفُ مِمَّنْ يُسِيئُونَ اسْتِعْمَالَ حُرِّيَّتِهِمُ الشَّخْصِيَّةِ فِيمَا يُؤْذِي الْأُمَّةَ وَيَضُرُّ الْوَطَنَ، وَيُفْسِدُ الْأَمْرَ عَلَى النَّاسِ جَمِيعًا؛ فَدَائِرَةُ حُرِّيَّةِ الْفَرْدِ تَتَّسِعُ فِي نَظَرِ الْإِسْلَامِ، مَا دَامَ لَا يُؤْذِي بِهَذِهِ الْحُرِّيَّةِ نَفْسَهُ أَوْ مُجْتَمَعَهُ أَوْ دِينَهُ.
وَفِي الْخِتَامِ -أَيُّهَا الْأَخْيَارُ- كُلُّنَا نُؤْمِنُ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ مَطْلَبٌ فِطْرِيٌّ إِنْسَانِيٌّ إِسْلَامِيٌّ عَقْلِيٌّ أَكَّدَتْهُ الْفِطْرَةُ، وَأَيَّدَتْهُ الْخِلْقَةُ، وَدَعَّمَتْهُ الشَّرِيعَةُ، لَكِنَّ الْعَاقِلَ يُدْرِكُ أَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تَظَلَّ تَحْتَ مَظَلَّةِ الْحُدُودِ الَّتِي وَضَعَهَا وَاهِبُهَا، وَهُوَ اللهُ -جَلَّ فِي عُلَاهُ-.