لم يكن هذا الخلق مع الناس فقط بل كان دائما في كل وقت حتى مع أهل بيته، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ: "غَارَتْ أُمُّكُمْ" ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ.
لقد حذر الرب سبحانه من الغضب ومتى ما وقع فعلى المرء المسلم أن لا ينقاد له (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)[الشورى: 37]، ويقول سبحانه: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ)[آل عمران: 134]. وكما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طبق الحلم والأناة على نفسه فلقد حث عليهما كثيرا وأبان فضلهما وحذر من مغبة مخالفتهما.
فها هو يثني على من تخلق بهما، ليقتدِ به الآخرون، أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال للأشج أشجِ عبدِ القيس رضى الله عنه: "إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة".