هِنِيئَا لَكُم -يَا مُؤمِنُونَ- هَذا الوَصْفُ والعُنْوَانُ, فَجَزاءُ إيمَانِكُم وَعَمَلِكُمُ الصَّالِحِ ثَوابٌ في الدُّنيا قَبْلَ الآخِرَةِ, ألا تَعلَمُ -يا رَعاكَ اللهُ- أنَّ مَنْ يَعمَلُ صَالِحاً لَهُ وِلايَةٌ خَاصَّةٌ مِن اللهِ -تَعَالى-؟؛ (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[الأعراف: 196].
بَلْ أهلُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لهُمُ التَّمْكِينُ فِي الْأَرْضِ؛ (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 55], واستَمِعُوا إلى الكَلامِ النَّفِيسِ الذي خَرَجَ مِنْ قَلْبِ الشَّيخِ السَّعدي عندَ تَفْسِيرِهِ لِهذهِ الآيَةِ ما مَفادُهُ: وهذا مِنْ أَوعَادِهِ الصَّادِقَةِ، فَإنَّ مَنْ قَامَ بِالإيمانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ يَكُونُونَ هُمْ خُلَفَاءُ الأرْضِ، الْمُتَصَرِّفِينَ فِي تَدْبِيرِهَا، وأَنَّهُ يُمَكِّنُ لَهُم مِنْ إِقَامَةِ دِينِ اللهِ وَشَرَائِعِهِ، وَأنَّهُ يُبَدِّلَهُم مِنْ بَعدِ خَوفِهم بِالأَمْنِ التَّامِ، بِحيثُ يَعبُدُونَ اللهَ لا يُشرِكُونَ بِهِ شَيئَاً، وَقَد قَامَ صَدْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالإيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ بِمَا يَفُوقُ غَيرَهُم، فَمَكَنَّهُمُ مِن البِلادِ والعِبَادِ، وَلا يَزَالُ الأَمْرُ إلى قِيامِ السَّاعَةِ، فإنَّ مَنْ يَقُومُ بِالإيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، فَلا بُدَّ أنْ يُوجَدَ مَا وَعَدَهُمُ اللهُ بِهِ، وإنَّمَا يَتَسَلَّطُ الكُفَّارُ والْمُنَافِقُونَ، بِسبِبِ إخْلالِنا بِالإيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ.