وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا: الرُّجُوعُ إِلَى كُتُبِ الْفُقَهَاءِ وَالتَّنْقِيبُ فِيهَا عَنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الْبَحْثَ عَنِ الْحَقِّ؛ فَإِنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ أَيْسَرُ، وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ فِي ذَلِكَ الْهَوَى وَالْأَخْذَ بِالتَّشَهِّي؛ فَذَلِكَ مَذْمُومٌ، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَإِنَّهُ سَيَخْتَرِعُ لِنَفْسِهِ مَذْهَبًا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ مِنْ سُلْطَانٍ، وَقَدْ يَأْخُذُ بِالْأَقْوَالِ الشَّاذَّةِ، وَقَدْ لَا يَفْهَمُ كَلَامَ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ عَلَى وَجْهِهِ؛ فَإِنَّ لَهُمْ مُصْطَلَحَاتٍ وَمَنْهَجِيَّاتٍ فِي تَقْعِيدِ الْأَحْكَامِ، بَلْ قَدْ يَأْخُذُ مِنْ كُتُبٍ غَيْرِ مُعْتَمَدَةٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَمِنْ الْإِشْكَالِيَّاتِ فِي تَلَقِّي الْفِقْهِ: سُؤَالُ أَكْثَرِ مِنْ عَالِمٍ، حَتَّى تَتَعَدَّدَ عِنْدَهُ الْفَتَاوَى، فَإِنْ كَانَتْ غَايَتُهُ الْبَحْثَ عَنِ الرُّخْصَةِ؛ فَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا سَبَقَ حُرْمَةَ تَتَبُّعِ الرُّخَصِ، وَكَذَلِكَ تَلْفِيقُ قَوْلٍ مِنْ مُجْمَلِ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
فإِنْ كَانَ غَرَضُكَ الْبَحْثَ عَنِ الْحَقِّ؛ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ قَبْلَ الِاسْتِفْتَاءِ التَّحَرِّي عَنْ حَالِ الْمُفْتِي؛ فَإِنِ اطْمَأَنَّتِ النَّفْسُ إِلَيْهِ، وَرَضِيتَ بِأَنْ يَكُونَ حُجَّةً بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ فَقَدْ كُفِيتَ الْمَؤُونَةَ، وَرُفِعَ عَنْكَ الْحَرَجُ وَالْإِثْمُ، وَلَزِمَكَ أَنْ تَأْخُذَ بِفَتْوَاهُ.