عبادَ اللهِ: ومن الأمور التي تدل على عدم تعظيم الله وإجلاله الاعتقاد بأن النفع والضر بيد أحد من الخَلْق، ومِنْ صُوَر ذلك نسبةُ الشفاء لغير الله؛ مع أن طلبَ الشفاء لا يكون إلا مِنَ اللهِ وحدَه؛ فهو الذي يشفي من الأمراض جميعِها، أمراضِ القلوب، وأمراضِ الأبدان؛ فالمؤمن وإنْ أخَذ بأسباب الشفاء فهو يعتقِد ألَّا شافيَ إلَّا اللهُ، ولا يكشِف الضرَّ ويُذهِب البأسَ إلَّا هو، قال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الْأَنْعَامِ: 17].
وممَّا يَحسُن التنبيهُ عليه هنا أنَّ بعضَ المرضى تتعلَّق قلوبُهم بالأسباب؛ كالأطباء والمعالِجِينَ، والواجب أن يكون تعلُّق القلب بالذي أنزل الداءَ، ولا يَرفَعُه إلا هو، قال تعالى على لسان عيسى -عليه السلام-: (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ)[آلِ عِمْرَانَ: 49]؛ أَيْ: ولا أفعل كلَّ ذلك بقدرتي وعِلمي، وإنَّما أفعله -بإذن الله- وبإرادته وأمره، وفي قصة الغلام المؤمن قال: "إني لا أَشفي أحدًا، إنما يشفي الله"، فكان يعلق القلوبَ باللهِ خالقِ الأسبابِ وأثرِها، ويُؤكِّد على أن الذي يشفي حقيقةً هو الله -سبحانه-، كما قال عز وجل على لسان إبراهيم -عليه السلام-: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[الشُّعَرَاءِ: 80]؛ ولذلك ينبغي أن نُدرِكَ هذه الحقيقةَ، فبعضُ الناس إذا سمعوا عن أحد من الرُّقاة بأن فلانًا قد رُقِيَ عنده فبَرِئَ، لرُبَّما اعتقدوا فيه، وتهافَتُوا عليه، يظنُّون أن الشفاءَ عندَه، وهو مخلوقٌ عاجزٌ ضعيفٌ لا يملك شيئًا، فينبغي لهذا الراقي أن يُعْلِمَهم أنَّ اللهَ -تعالى- هو الشافي، وأنَّ الرقيةَ سببٌ، وليست بذاتها تشفي.