وذلك يفْصِحُ عن كمالِ شفقتِه -صلى الله عليه وسلم- ورأفتِه بأمتِه, إذ أرشدهم إلى ما يصلحُهم, وهو ما يُمْكِنُهم الدوامُ عليه بلا مشقةٍ؛ لأنَّ النفسَ تكونُ فيه أنشطَ، والقلبُ منشرحٌ، فتستمرُ العبادةُ، ويحصلُ مقصودُ الأعمالِ، وهو الخضوعُ فيها، واستلذاذُها، والدوامُ عليها، بخلافِ مَن تعاطى مِن الأعمالِ ما لا يمكنُه الدوامُ، وما يشقُّ عليه، فإنه مُعَرَّض لِأَنْ يتركَه كلَّه أو بعضَه، أو يفعلَه بكُلْفةٍ أو بغيرِ انشراحِ القلبِ فيفوتَه الخيرُ العظيمُ, قال طاووسٌ: "أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَخَفُّهَا"، قَالَ ابنُ عبدِالبرِّ: "يُرِيدُ: أَخَفَّهَا عَلَى الْقُلُوبِ، وَأَحَبَّهَا إِلَى النُّفُوسِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ يَدُومَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ حَتَّى يَصِيرَ لَهُ عَادَةً وَخُلُقًا".
عبادَ اللهِ: بدوامِ العبادةِ -وإنْ قلَّتْ- سلامةٌ مما يُفضي إليه إثقالُها مِن تبغيضِها إلى النفسِ, ولُحُوقِ مَنْقَصَةِ المللِ والفتورِ ومَعَرَّةِ الانقطاعِ, والتي قد تحمِلُ في معانيها إعراضَ العبدِ عن اللهِ بعد الإقبالِ عليه، والرجوعَ فيما بَذَلَه مِن نفسِه لله، كما أنَّ ذلك قد يكونُ حاملًا لتركِ الفرائضِ، وفاتحًا لبابِ التهاونِ في عملِ الصالحاتِ؛ وكفى بذلك شُؤْمًا.