أما بعدُ: فيقول الله -سبحانه وتعالى-، في سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا
نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ
وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)
[الْأَحْزَابِ: 9-11]، صدق الله العظيم.يها المصلون، أيها المسلمون، أيها المرابطون، أيتها
المرابطات، وكلنا مرابطون: هذه الآيات الكريمة من سورة الأحزاب التي تعرضتُ لذِكْر معركة
الأحزاب، والتي وقعت في السنة السادسة للهجرة، والتي عُرفت أيضًا بغزوة الخندق؛ لأن
المسلمين قد حفروا الخندق حول المدينة المنورة، وأن الله -عز وجل- قد أنعَم عليهم بالحماية
والنصر، بعد أن تكالَب عليهم المشركون الذين شكَّلُوا حلفًا من عدة قبائل والأحزاب، وأن
الرسول محمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام -رضوان الله عليهم- قد وقَعُوا في
شدة ومحنة وابتلاء وقتئذ، إلا أنهم لجؤوا إلى الله العلي القدير، ثم اعتمَدُوا على أنفسهم، وأخذوا
بالأسباب، فجاءهم الفرج والانفراج من الله العزيز الجبار، وانهزم الأحزاب المعتدون، وتفرَّقوا
وتشتَّت شملُهم، وعادوا خائبينَ خاسرينَ، وهذه سُنَّة الله في خلقه، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)
[الْأَحْزَابِ: 62]، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)[فَاطِرٍ: 43].