لقد ذكَّر المولى -تبارك وتعالى- رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم- بأنه كان يتيمًا
فخاطَبَه بقوله: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)[الضُّحَى: 6]، وأمَرَه بقوله: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)
[الضُّحَى: 9]؛ أي: لا تُحَقِّرْهُ، وبيَّن صلى الله عليه وسلم أنه وكافلُ اليتيم في الجنة هكذا؛
وأشار بأصبعيه، السبابة والوسطى.عبادَ اللهِ: فإذا كان الله ينهانا عن زجر اليتيم، ويَعُدُّه من
الإخلال بالدّين، فما بالكم بمن يهضم حقوقه، ويبدِّد أموالَه، إذا كانت الكلمة السيئة في حق
اليتيم محرمةً علينا، فماله أولى بالتحريم، وحقوقه أجدر بالرعاية، لقد كان الصحابة -رضوان
الله عليهم- أهلَ بر وعطف وحنان، وشفقة ومروءة باليتيم، ويتَّخذون من تهذيبه سندًا للتقرب
إلى الله -تبارك وتعالى-، ويتسابقون لخدمته ابتغاءَ الأجر والثواب، يتعفَّفون عن ماله، ولكن
لا يغفلون عن أحواله، فأصبحنا اليوم وقد خربت الذمم، وانحطت القيم والهمم، وغلظت الأكباد،
وطارت الرحمة من القلوب، فقست كالحجارة، وصارت الوصاية صنعة للُّصوص الطامعين،
وحرفة يسعى لها كلُّ عاطل، ويجري وراءها كلُّ مجرم آثم، فضاع بيننا اليتيمُ، وذهَب مالُه،
وساءت أحوالُه.