البطل ألب أرسلان، والذي كان رجلا خيِّرًا صالحًا ذا ذكاء وطموح؛ فقام بحملةٍ كبيرةٍ لتوطيد حدود دولته، استمرت عدة أشهر مجهدة، وكان تعداد جيشة قرابة الخمسة عشر ألف مقاتل، فتفاجئوا بأن الإمبراطور البيزنطي “رومانوس” قد جهَّز جيشًا ضخمًا قوامه ثلاثمائة ألف مقاتل وتحرَّك بهم إلى “ملاذ كرد” حيث يعسكِر الجيشُ السلجوقي، ولم يكن للجيش السلجوقي فرصةٌ لاستدعاء المَدَد، أو العودة لعاصمتهم للاستراحة وعلاج الجرحى وتجديد المؤن، وأيقن السلطان “ألب أرسلان” بأنَّه لا مناص من القتال، فاستشار أستاذِه العلامة الفقيه أبو نصر البخاري، فقال له الإمام مشجِّعاً: إنَّك تقاتل عن دينٍ وعدَ الله بنصرِه وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتبَ باسمك هذا الفتحَ، فالْقَهُم يوم الجمعة في السَّاعة التي يكون الخطباء على المنابر؛ فإنَّهم يدْعون للمجاهدين وقتها، فقام وبثَّ في جنوده روحَ الجهاد وشجعهم بكلمات قوية ألهبت فيهم روح الحماس، وقاموا يبذلون كل ما في وسعهم استعداداً لهذه المعركة المصيرية، فلمَّا كان وقت صلاة الجمعة صلَّى السلطان بالعسكر ودعا اللهَ -تعالى- وابتهلَ كثيراً وبكى وتضرَّع، وقال لهم: إني مغتسل فمتحنط فمتكفن، ثم إني سأطرح نفسي عليهم في هذه السَّاعة التي يُدعى فيها لنا على المنابر، فإمَّا أن أبلغ الغاية، وإمَّا أن أمضي شهيدًا إلى الجنَّة، وهذا كفني عليَّ، فمن أحبَّ أن يتبعني فليتبعني، ومن أحبَّ أن ينصرف فلينصرف آمناً؛ فإنه لا سلطان هاهنا إلا الله، فقام الجيش كله ففعل مثلَ فِعله، تحنطوا كُلهم ولبسوا البياض، فسمي الجيش المكفن، فلما بدأت المعركة قاتل أولئك الرجال قِتال من لا يوقن بالنجاة، وسطَّروا أروعَ آيات البطولة والبسالة، وما لبث أن دارَت الكِفَّة لصالحهم، فقَتلوا من الجيشِ البيزنطي خلقاً كثيراً وأَسروا الباقي إلا من لاذ بالفرار، ووقع الإمبراطورُ البيزنطي “رومانوس” في الأَسْر، وجيء به إلى السلطان “ألب أرسلان” مصفداً بالحديد، فاشترى نفسَه بمليون وخمسمائة ألف دينار، وإطلاق كلِّ أسيرٍ مسلمٍ في بلاده.