{ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (
وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ }
[البلد: 8، 9].
إنَّه اللِّسانُ - عباد لله -، جسمٌ لحميٌّ بين فكَّي الإنسان، يُظهِرُ للملأ ما قد
زوَّرَه في نفسِه مِن كلامٍ، ويُطلِعُهم على حجم ما يملِكُه مِن عقلٍ بقَدر ما
يملِكُه مِن بيان؛ فإنَّ اللِّسان رِشاءُ القلب، وبريدُه الناطِق، وبه يختارُ
المرءُ مصيرَه إما إلى هلاكٍ، وإما إلى نجاةٍ.
كيف لا، والمُصطفى - صلى الله عليه وسلم - هو مَن قال:
( وهل يكُبُّ الناسَ في النَّار على وُجوهِهم - أو على مناخِرِهم –
إلا حصائِدُ ألسِنَتهم؟! )؛
رواه أحمد والترمذي.
اللِّسانُ - عباد الله - سلاحٌ ذُو حدَّين؛ مَن أحسنَ استِعمالَه نالَ به ما يُحمَد،
ومَن أساءَ استِعمالَه عادَ عليه بالحسرَة والوَبال.
وإنَّ كثيرًا مِن النِّزاعات والحُروب لم تكُن لتطفُو إلا بسببِ اللِّسان وعثَرَاتِه.
فإذا كانت النِّيران تُذكَى بالعِيدان، فإنَّ الحروبَ مبدؤُها كلام، وما وقعَ
خلافُ ولا تباغُضٌ ولا تدابُرٌ إلا وللِّسَان مِنه نصِيبٌ بمُجافاتِه ما هو أحسَن،
وبَينُونَته عن القول السديد،
{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ }
[الإسراء: 53].