{ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ }
[ قريش: 1- 4 ].
لأجلِ ذلكم - عباد الله - كان من اعتِقاد أهل السنَّة والجماعة:
تنصِيبُ الإمام الذي يرعَى حقوقَهم، ويحمِي دينَهم، ويصُدُّ عنهم عدوَّهم.
وإن الله - جل وعلا - قد أنعمَ على أمة الإسلام بهذا البيت العتيقِ،
الذي تهوِي إليه أفئدةُ الناس رِجالاً ورُكبانًا، من كل فجٍّ عميقٍ، وهو شامِخُ الأركان،
ثابتُ البُنيان، يُطاوِلُ الزمانَ والمكانَ.
غيرَ أنه لم يسلَم عبر التأريخ من أطماع الطامِعين، وحسَد الحاسِدين؛
إذ تمتدُّ إليه أيادِي العبَث والتخريبِ بين الحينِ والآخر،
إلى أن منَّ على الأمة برعايةِ بلاد الحرمين الشريفين له،
ولمسجد رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، وحمايتهما بكل أصنافِ الحماية.
غيرَ أن ذلكم - عباد الله - يغيظُ قلوبًا بالغلِّ حاسِدة، وأنفُسًا للسُّوء قاصِدة،
ترفعُ عقيرتَها بين الحين والآخر، مُهدِّدةً طامِعة، يغيظُها أن لم تكُن رعايتُهما لها،
فضلاً عما تحمِلُه من دغَل التخريب، وإرادة عدم الاستِقرار في قِبلة المُسلمين،
ومسرَى رسولِهم - صلواتُ الله وسلامُه عليه -.
إنهم يُريدون بهذا الغلِّ والتهديدِ أن يستَبِيحُوا بيتَ الله الحرام
كما استباحَه المُفسِدون من قبل، في شهرٍ حرامٍ، إبَّان القرن الرابع الهجري،
فاستحَلُّوا دماءَ الحَجيج، وقتَلُوا منهم نحوًا من ثلاثين ألفًا بعضُهم بين الصفا والمروة،
فخلَعُوا بابَ الكعبة، وسلَبُوا كسوتَها، واقتَلَعوا الحجرَ الأسوَد من مكانِه،
غيَّبُوه قُرابةَ اثنين وعشرين عامًا،
حتى كان فُقهاءُ ذلكم الزمن إذا ألَّفُوا في المناسِك يقولون:
[ ويُستحبُّ أن يُشيرَ الحاجُّ إلى الحجر الأسوَد إن وُجِد ]
حتى أعادَه الله بفضلِه وكرمِه إلى مكانِه. كلُّ ذلكم - عباد الله - كان من مُنطلَقَاتٍ طائفيَّةٍ،
ليست من الإسلام في وِردٍ ولا صدَر.