ومع النصر المُبين، والعلوِّ المَكين، فإن موقفَ المؤمن لا يتجاوزُ نهجَ سيِّد المُرسَلين،
والذي شرَّفَنا الله باتباع سُنَّته، وتحكيم شِرعَته. كيف وقد قال الله في كتابِه مُحذِّرًا:
{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ }
[ الأنفال: 47 ]
وقال - سبحانه -:
{ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ }
[ آل عمران: 160 ].
بل إن اللافِتَ في آيات غزوة بدرٍ وبعد انتِصار النبي - صلى الله عليه وسلم –
وصحبِه الكرام، لم تأتِ الآياتُ بالثناء على البُطولات والمهارات؛
بل قال الله في أعقابِ ذلك:
{ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ }
[ آل عمران: 126 ]
وقال - سبحانه -:
{ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ }
[ الأنفال: 17 ]
وقال :
{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ }
[ آل عمران: 123 ].
وعندما دخلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مكةَ فاتحًا مُنتصرًا،
يحُوطُه أصحابُه في جلال، وتسيرُ من بين يدَيه كتائِبُ الفرسان وكرامُ الرجال،
وقد دانَت له مكةُ وأشرافُها،
[ دخلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم –
يوم فتح مكة على ناقَته وهو يقرأُ سورة الفتح ]
رواه البخاري.
قال محمد بنُ إسحاق:
[ حدَّثني عبدُ الله بن أبي بكر أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم
ليضَعُ رأسَه تواضعًا لله حين رأى ما أكرمَه الله به من الفتح،
حتى إن عُثنُونَه ليَكادُ يمسُّ واسِطةَ الرَّحل ]
وأخرجَ الحافظُ البيهقيُّ عن أنسٍ - رضي الله عنه - قال:
[ دخلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مكةَ يوم الفتح ودَقَنه على راحِلَته مُتخشِّعًا ]