فاتَّقُوا الله - عباد الله -، وأنيبُوا إليه، وابتَغُوا إليه الوسيلةَ بطاعتِه،
وطلبِ مرضاتِه، والاستِمساكِ بالذي أوحَى به إلى نبيِّه - صلواتُ الله وسلامُه عليه -
مِن قبل أن يأتِيَ يومٌ لا بيعٌ فيه، ولا خُلَّةٌ، ولا شفاعةٌ، واحذَرُوا أسبابَ
سخَطِه المُوجِبةَ لأليمِ عقوبتِه، المُقصِيَة عن رحمتِه، ونزول الجنَّة دار كرامتِه.
عباد الله:
إنَّ صلاحَ حالِ المرءِ، واستِقامةَ أمرِه، وسدادَ نهجِه، وعلوَّ كعبِه،
ورُقِيَّ شأنِه، وطِيبَ حياتِه، وحُسنَ عاقبتِه مُتوقِّفٌ على صلاحِ عضوٍ
بجسَدِه، مُرتهَنٌ بطهارَتِه ونقائِه، مُنبَعِثٌ مِن صحَّتِه وسلامتِه، ذلك
هو القلبُ الذي أخبَرَ رسولُ الهُدَى - صلواتُ الله وسلامُه عليه -
عن عِظَم شأنِه، وعُمقِ أثَرِه، وقوَّةِ سُلطانِه بقولِه - صلى الله عليه وسلم -:
( ألا وإنَّ في الجسَدِ مُضغةً إذا صلَحَت صلَحَ الجسَدُ كلُّه، وإذا فسَدَت
فسَدَ الجسَدُ كلُّه، ألا وهي: القلبُ .. )
الحديث؛ أخرجه الشيخان في صحيحيهما مِن حديثِ النُّعمانِ بن بشيرٍ - رضي الله عنهما -.
وهو دليلٌ بيِّنٌ على أنَّ صلاحَ القلبِ رأسُ كلِّ خيرٍ ينعَمُ به العبدُ، وأنَّ
فسادَه رأسُ كلِّ شرٍّ يبأَسُ ويشقَى بِهِ؛ ذلك أنَّه حين يكون القلبُ سليمًا
ليس فيه إلا محبَّةُ الله تعالى، ومحبَّةُ ما يُحبُّه، وخشيتُهُ - سبحانه وتعالى -،
وخشيةُ التردِّي فيما يُبغِضُه، فإنَّ حركاتِ الجوارِحِ كلَّها تصلُحُ عندئذٍ،
وينشَأُ عن ذلك في نفسِ صاحِبِها باعِثٌ يبعَثُ على اجتِنابِ المحظُورات،
والتَّجافِي عن المُحرَّمات، واتِّقاءِ الشُّبُهات مخافةَ الوقوعِ في هذه
المُحرَّمات.