وعليكم بجماعةِ المُسلمين؛ فإن يدَ الله على الجماعة،
{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ
وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
[آل عمران: 105].
أيها الناس:
لا تجِدُون مُجتمعًا راقيًا، مُتألِّقًا مُتكاتِفًا مُتآلِفًا، إلا كان لصفاءِ قُلوب ذَوِيه،
وحُسن نواياهم قَصَبُ السَّبْق لرُقِيِّه وتألُّقِه؛ فإنَّ الأخلاقَ ألطَفُ ما يغُورُ
في القُلوبِ، ويأخُذُ بالألبابِ.
وإنه مهما بلَغَت الشُّعوبُ مِن التقدُّم المادِّي في العلمِ والصناعة،
والتجارة والحضارة، فإنها ستكون صِفرًا بلا أخلاقٍ،
وعجَلةً تدُورُ ولا تَلوِي على شيءٍ.
وإن كلَّ مُجتمعٍ لم يزَلْ على فِطرتِه التي فطَرَ الله الناسَ عليها؛ مِن خُلُقٍ كريمٍ،
وسجايَا فاضِلة، فهو بخَيرٍ ما لم يعتَرِضه ما يُكدِّرُ صَفوَه،
ويُنغِّصُ هناءَه، ويثلِمُ لُحمتَه، ويُفرِّقُ مُجتمعه.
وهو لم يزَلْ بخيرٍ كذلك ما لم يُبْلَ بالمُشوِّشِين المُهوِّشِين، سُودِ القُلوب،
حِدادِ الألسُن، مَن جعَلُوا شِعارَهم: القَالَةَ بين الناسِ، والاتِّزارَ بالتجيِيشِ والتحريشِ.
نعم - عباد الله -! التحريشُ الذي ما دخَلَ في مُجتمعٍ إلا فرَّقَه، ولا
أُسرةٍ إلا مزَّقَها، ولا صُحبةٍ إلا قلَبَها عداوةً وبَغضاء.
إنه التحريشُ الذي يُوغِرُ الصُّدور، ويُذكِي نِيرانَ التنابُز والتدابُر والتصارُع.
التحريشُ الذي لا رابِحَ فيه مِن جميعِ أطرافِه. التحريشُ الذي تُغتالُ
به بيوتٌ، ورِفاقٌ، ورِجالاتٌ، ونساءٌ.
التحريشُ الذي يضُرُّ ولا ينفَع، ويفتُقُ ولا يُرقِّعُ، وينكَأُ ولا يُضمِّدُ،
ويُفسِدُ ولا يُصلِحُ، ويُحزِنُ ولا يُفرِحُ، ويُبكِي ولا يُضحِكُ.
إنه التحريشُ - عباد الله - الذي هو: إذكاءُ الخِصام، وإغراءُ العداوةِ
والبَغاء، بتألِيبِ بعضِ النُّفُوسِ على بعضٍ.
التحريشُ كلمةٌ لا تحمِلُ إلا معنَى الشرِّ، فهي لا خيرَ فيها؛ إذ لم يُحمَد
التحريشُ لا في شرعٍ، ولا عقلٍ، ولا فِطرةٍ، فالتحريشُ شرٌّ كلُّه، وداءٌ كلُّه، وسُوءُ مغبَّةٍ كلُّه.
هو الشرُّ مِن أيِّ الدُّرُوبِ سَلَكتَهُ