وإنَّ مَن يستعمِلُ مفهومَ الادِّخار إنَّما يُعزِّزُ به احتِباسَ جُزءٍ مِن دخلِه،
ليُخفِّفَ به مِن أعباءِ مُستقبلِه؛ خشيةَ نوازِل تطرُق بابَه، أو تحُلُّ قريبًا مِنه.
ولا شكَّ أنَّ في مِثل ذلكم حُسن تصرُّفٍ، وإتقانًا في إدارة الرِّزق، والتمكُّن
مِن القِيام بما مِن شأنِه التميُّز في توجيهِ المُدَّخَرات الوِجهةَ التي تُوازِنُ له،
فَرزَ ضروراته، وحاجيَّاته، وتحسيناته التي تُطِلُّ عليه بين أزمةٍ وأُخرى،
ولن يستقيمَ أمرُ معاشِ امرئٍ ما لم يُوازِن بين إنفاقِه وتوزيعِه وادِّخارِه.
ومِن حكمةِ الله - جلَّ شأنُه - أن جعلَ مبدأَ التوزيع في الرِّزق جُزءًا مِن كُلٍّ؛
حيث قال:
{ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ }
[يس: 47]
أي: بعضًا مما رزَقَكم الله، ولم يقُل: وأنفِقُوا ما رزَقَكم الله.
وفي هذا الأمر - عباد الله - يتجلَّى معنى الإنفاقِ والادِّخار، ومِن المعلُوم
عقلًا وشرعًا وواقعًا أنَّ مَن أنفقَ بعضَ ما يكتسِب كان أبعدَ عن الافتِقار والمَترَبة.
فقد ذكرَ الفارُوقُ - رضي الله تعالى عنه -، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم –
( كان يبيعُ نخلَ بنِي النَّضِير، ويحبِسُ لأهلِه قُوتَ سنَتِهم )؛
رواه البخاري ومسلم.