فيا أيها النَّاس .. ويا حُجَّاج بيت الله الحرام! لقد أكرَمَ الله أمةَ الإسلام
بنِعمةِ يُسر الوُصُول إلى بيتِه العتيق، وبلُوغ رِحابِه على هيئةٍ لم
يُدرِكها أسلافُنا الأولون؛ إذ كانُوا يغيبُون الزمانَ الطويلَ،
يقطَعُون فيه الفيافِيَ والقِفارَ، والمفاوِزَ والبِحارَ، فلا يدري ذَوُوهم
أأحياءٌ هم أم أموات، حتى إنَّ قاصِدَ طريقِه لهُو شبِيهٌ بالمفقُود،
والعائِدُ مِنه إنَّما هو كالمولُود.
ولقد ظلَّ الحَجِيجُ على هذه الحالِ دهرًا طويلًا، حتى هيَّأَ اللهم لهم مِن
أسبابِ الحياةِ ما تغيَّرَت به الأحوال، واختُصِرَت به الطرقُ والأزمان،
حتى أصبَحَ ذوُو الحاجِّ يرَونَه ويسمَعُون صوتَه حال وقوفِه في عرفات،
والمشعَر الحرام، ومِنَى، والمسجِدِ الحرام.
كما قيَّضَ الله - بفضلِه وكرمِه - هذه البلادَ المُبارَكة لتكون راعِيةً للحرمَين
الشريفَين وقاصِدِيهما، وهي تفخَرُ بذلكم أيَّما فخرٍ، وتشرُفُ به أيَّما شرَف؛
خدمةً لحُجَّاج بيت الله، وزُوَّار مسجِدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -،
ابتِداءً مِن إمامِها ووليِّ أمرِها خادمِ الحرمَين الشريفَين ووليِّ عهدِه وعضِيدِه،
وانتِهاءً بآحادِ أهلِها وأفرادِهم، كلُّهم يرَون خدمةَ الحرمَين الشريفَين شرفًا
ووِسامًا لا يُساوَمُون عليهما؛ إذ يبذُلُون الغالِيَ والنَّفيس