إِنَّنَا -مَعَاشِرَ الْآبَاءِ- كُنَّا نَحْيَا فِي زَمَانٍ قَلِيلٌ شَرُّهُ، كَثِيرٌ خَيْرُهُ، خَفِيفَةٌ مَشَاغِلُهُ... أَمَّا هُمُ الْيَوْمَ فَزَمَانُهُمْ يَذْخَرُ بِالْمُلْهِيَاتِ وَبِالْمُثَبِّطَاتِ وَبِالشَّوَاغِلِ، لِذَا كَانَ لِزَامًا عَلَى الْآبَاءِ وَالْمُرَبِّينَ أَنْ يَكُونُوا عَلَى دِرَايَةٍ تَامَّةٍ بِذَلِكَ، وَأَنْ يَتَعَلَّمُوا الْأَسَالِيبَ وَالْوَسَائِلَ الْمُسْتَجِدَّةَ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُقَلِّلَ الْمَسَافَاتِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ آبَائِهِمْ، وَتَسُدَّ الْفَجْوَةَ وَتَلُمَّ الشَّعَثَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْآبَاءَ إِذَا مَا أَدْرَكُوا ذَلِكَ وَاسْتَوْعَبُوهُ أَثْمَرَ أَيْنَعَ الثَّمَرَاتِ وَأَجْمَلَهَا؛ وَمِنْ آثَارِ ذَلِكَ:
مَدُّ جُسُورِ الْحِوَارِ بَيْنَ الْجِيلَيْنِ: وَبِالْحِوَارِ يَتَحَقَّقُ التَّقَارُبُ وَالتَّوَاصُلُ بَيْنَ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ، وَتَتَلَاشَى بَيْنَهُمُ الْفَجَوَاتُ، يَقُولُ الْحُكَمَاءُ: "لَاعِبِ ابْنَكَ سَبْعًا، وَأَدِّبْهُ سَبْعًا، وَآخِهِ سَبْعًا، ثُمَّ أَلْقِ حَبْلَهُ عَلَى غَارِبِهِ".
وَمِنْهَا: إِدْرَاكُ كَوَامِنِ نُفُوسِ الْأَبْنَاءِ: فَيَصِيرُ الْآبَاءُ أَكْثَرَ تَفَهُّمًا لِنَفْسِيَّاتِ أَبْنَائِهِمْ، وَأَكْثَرَ تَقَبُّلًا لِآرَائِهِمْ، وَأَكْثَرَ إِحْسَاسًا بِمُشْكِلَاتِهِمْ... وَلَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُخَالِطُنَا، حَتَّى يَقُولَ لِأَخٍ لِي صَغِيرٍ: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).