وَمِنْ خَصَائِصِهِمُ الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا؛ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُمْ نَزَقُ الشَّبَابِ وَحَلَّ مَحَلَّهُ التُّؤَدَةُ وَالْوَقَارُ، يُرْوَى أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ مَرَّةً، فَوَجَدَ فِي الْمَسْجِدِ رَجُلًا مُسِنًّا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا فُلَانُ، تُحِبُّ أَنْ تَمُوتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: ذَهَبَ الشَّبَابُ وَشَرُّهُ، وَجَاءَ الْكِبَرُ وَخَيْرُهُ، فَأَنَا إِذَا قُمْتُ قُلْتُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَإِذَا قَعَدْتُ قُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يَبْقَى لِي هَذَا"... لَكِنَّ الشَّبَابَ الْيَوْمَ أَشَدُّ حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا، وَأَكْثَرُ إِقْبَالًا عَلَيْهَا... وَهَذَا الْأَمْرُ يُحْدِثُ فَجْوَةً أُخْرَى بَيْنَ الْجِيلَيْنِ فِي التَّفْكِيرِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْأُمُورِ وَالْآرَاءِ.
وَأَمَّا جِيلُ الْأَبْنَاءِ فَيَتَمَيَّزُونَ بِالْحَمَاسَةِ وَحُبِّ الِاسْتِكْشَافِ وَالْمُغَامَرَةِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى الْأَخْطَارِ، بِعَكْسِ الْآبَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَكْثَرُ تَرَيُّثًا وَحَذَرًا وَتَقْدِيرًا لِلْأُمُورِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ مُرْتَابٌ مِنْ كُلِّ جَدِيدٍ، مُتَهَيِّبٌ مِنْ كُلِّ غَرِيبٍ... فَتَقَعُ هَا هُنَا فَجْوَةٌ أُخْرَى؛ هِيَ فَجْوَةٌ بَيْنَ "الْجَرَاءَةِ، وَالْحَذَرِ" وَ"الْإِحْجَامِ، وَالْإِقْدَامِ".