ولحق بكر بن عبدالله حمّالاً عليه حمله، وهو يقول: "الحمد لله، أستغفر الله، قال: فانتظرته حتى وضع ما على ظهره، وقلت له: أما تحسن غير هذا؟ قال: بلى، أحسن خيرا كثيرا؛ أقرأ كتاب الله -عز وجل- (أي أحفظه)، غير أن العبد بين نعمة وذنب، فأحمد الله على نعمائه السابغة وأستغفره لذنوبي، فقال بكر: الحمّال فيها أفقه من بكر".
أيها المؤمنون: وأشد ما يعقب النعمة إذا ذهبت حلول النقمة، وأشدها ما وقع بغتة دون مقدمات أو تدرُّج؛ وذلك لصعوبة دفعه وتداركه؛ فتكون الحسرة حسرتين؛ حسرة فقد النعمة وحسرة حلول النقمة؛ ولذا خصه النبي -صلى الله عليه وسلم- وابتدأ به حين استدفع ربه نقمته، فقال: "وفجاءة نقمتك".
وأخطر من ذلك ما كان من النقم والعقاب خفياً لا يُحس بدبيبه إلا وقد أحاط بصاحبه واستحكم بساحه وهو عنه غافل لا يشعر، قال عبدالله بن المبارك: "إن البصراء لا يأمنون من أربع خصال: ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع الرب فيه، وعمر قد بقي لا يدري ماذا فيه من الهلكات، وفضل قد أعطي لعله مكر واستدراج وضلالة وقد زينت له فيراها هدى، ومن زيغ القلب ساعةً أسرعَ من طرفة عين قد يسلب دينه وهو لا يشعر".