أيها المؤمنون: رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أمضى ثلاث عشرة سنة من الدعوة في مكة ثم هاجَر إلى المدينة المنوَّرة، وأقام فيها نواةً لدولة الإسلام، بينما مضى علينا قرن ونيف من الزمان من غير سلطان يرعانا بشريعة الله، ويحوطنا بها، فأيُّ أمة نحن بدونها؟! صرنا كاليتيم على مأدبة اللئيم، تتنمَّر علينا أممُ العالَم وحُكَّامها، وتستخفّ بنا أنظمةٌ حاكمةٌ عديدةٌ، حتى قيل لنا باستهزاء: إن قضايانا تحتاج إلى المعجِزات لحلها، إلا أن المعتصم لم ينتظر المعجزاتِ ليُنقذ امرأةً مسلمةً استغاثت به، وهارونُ الرشيدُ لم ينتظر المعجِزات لتأذنَ له أن يخاطب السحابةَ أن تُمطِر حيث شاءت؛ ليقينِه أن خَراجَها رَاجِعٌ إليه.
أولئك أجدادي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جريرُ المجامعُ
يا عبادَ اللهِ: سار شأنُنا مع تلك الأنظمة كشأن فرعون مع قومه؛ حيث قال الله فيه وفيهم: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ)[الزُّخْرُفِ: 54]، وصدَق فينا قولُ القائل شاكيًا حالَنا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: