إليكَ قصةً عجيبةً من أولِها إلى آخرِها.
إنها قصةُ عالمٍ عابدٍ صابرٍ ابتُليَ بجسدِهِ، لكن اللهَ أنزلَ سكينَتَه عليهِ.
كانَ يعيشُ في آخرِ حياتِهِ في خيمةٍ، وقد ذهبَتْ يَدَاهُ وَرجلَاهُ، وَثقُلَ سَمعُهُ وبصَرُه،
وَمَا لَهُ مِنْ جارحةٍ تَنْفَعهُ إِلَّا لِسَانُهُ، فمرَّ بهِ رجُلٌ فسَمِعَه يُرَدِّدْ: "اللَّهُمَّ أَوْزِعْنِي
أَنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ، وَفَضَّلْتَنِي على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْتَ تَفْضِيلاً".
فقالَ لهُ: "وأَيُّ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكَ؛ تَحْمَدُهُ عَلَيْهَا؟!" قَالَ: "وَاللَّهِ لَوْ أَرْسَلَ
السَّمَاءَ عَلَيَّ نَارًا فَأَحْرَقَتْنِي، وَأَمَرَ الْجِبَالَ فَدَمَّرَتْنِي، وَأَمَرَ الْبِحَارَ فَغَرَّقَتْنِي، وَأَمَرَ
الأَرْضَ فَبَلَعَتْنِي، مَا ازْدَدْتُ لِرَبِّي إِلا شُكْرًا؛ لِمَا أَنْعَمَ عَلَيَّ مِنْ لِسَانِي هَذَا،
وَلَكِنْ يَا عَبْدَ اللهِ! إِذْ أَتَيْتَنِي؛ لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ، فأَنَا لَسْتُ أَقْدِرُ لِنَفْسِي على ضُرٍّ
وَلا نَفْعٍ، وَلَقَدْ كَانَ مَعِيَ بُنَيٌّ لِي يَتَعَاهَدُنِي، فيوَضِّيْنِي ويُطْعِمَنِي، ويَسْقِينِي،
وَلَقَدْ فَقَدْتُهُ مُنْذُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، فَتَحَسَّسْهُ لِي -رَحِمَكَ اللَّهُ-" فَقُلْتُ: "وَاللَّهِ مَا مَشَى
خَلْقٌ فِي حَاجَةِ خَلْقٍ كَانَ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ أَجْرًا مِمَّنْ يَمْشِي فِي حَاجَةِ مِثْلِكَ".