وَالتَّشَبُّهُ بِالْكَافِرِينَ يَعْنِي: مُحَاكَاتَهُمْ فِي دِينِهِمْ وَعَقِيدَتِهِمْ وَسُلُوكِيَّاتِهِمْ، أَوْ عَادَاتِهُمُ الَّتِي اخْتُصَّتْ بِهِمْ،
وَصَارَتْ شِعَارًا لَهُمْ. فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْكِتَابِ خَيْرًا مِمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَهُوَ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ
، فَغَضِبَ وَقَالَ: "أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَا
تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ، أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى
كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتْبَعَنِي"(رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَالتَّشَبُّهُ بِالْكُفَّارِ لَهُ ضَوَابِطُ وَحُدُودٌ، فَلَا تُعْتَبَرُ مُحَاكَاتُهُمْ تَشَبُّهًا إِلَّا إِذَا كَانَ فِيمَا يَخْتَصُّونَ بِهِ مِنْ أُمُورِ
دِينِهِمْ وَعَادَاتِهِمْ وَسُلُوكِيَّاتِهِمْ، أَوْ يَكُونُ التَّشَبُّهُ بِهِمْ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ؛ كَأَعْيَادِ الْمِيلَادِ وَرَأْسِ السَّنَةِ وَغَيْرِهَا،
أَوْ يَكُونُ التَّشَبُّهُ بِهِمْ فِي صِفَةِ الْفِعْلِ، فَإِنَّا قَدْ نَشْتَرِكُ مَعَهُمْ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ، لَكِنْ نُخَالِفُهُمْ فِي صِفَتِهَا،
فَهُمْ يَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَكِنَّنَا نُخَالِفُهُمْ فِي السُّحُورِ، فَقَدْ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَصْلُ مَا بَيْنَ
صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).