(لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ)
فلو كان الأمرُ إليه؛ لَمَا اختارَ هذه الشدائِدَ، ودَلَّ هذا على أنَّ له
خالِقاً دَبَّرَه، وقضى عليه بهذه الأحوال فَلْيَمتثِلْ أمْرَه”.
عبادَ الله: ما صَغَّرَ النَّفْسَ مِثلُ المعصية، ورَفَعَها وشَرَّفها مِثلُ طاعَةِ الله؛
قال -تعالى- عن النفس: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشمس:10]. وأصْلُ التَّدْسِيَة:
الإخفاء، ومنه قوله -تعالى-: (أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ)[النحل:59]، فالعاصِي يَدُسُّ
نفسَه بالمعصية، ويُخْفِي مكانَها، ويتوارى من الخَلْق من سوءِ ما يأتي به، قد انْقَمَعَ
عند نفسِه، وانقمعَ عند الله، وانقمعَ عند الخَلْق، فالطاعةُ والبِرُّ تُكْبِرُ النفسَ وتُعِزِّها
وتُعليها حتى تصيرَ أشرفَ شيءٍ وأكبَرَه وأزكاه وأعلاه، ومع ذلك فهي أذلُّ شيءٍ
وأحْقَرُه وأصغَرُه لله -تعالى-. وبهذا الذُّل لله -تعالى-؛ حصل لها العِزُّ والشَّرف، فما
صَغَّرَ النفسَ مِثْلُ معصيةِ الله، وكَبَّرَها وشرَّفها ورفعَها مِثْلُ طاعةِ الله.