فدلَّ - سبحانه - بما ذكَرَ في هذا المقام على أنَّ الذين يصِحُّ وصفُهم
بأنَّهم على هُدًى مِن ربهم، أي: على نورٍ مِن ربِّهم وبُرهانٍ واستِقامةٍ،
وسدادٍ بتسديدِ الله إياهم وتوفيقهم له، وأنَّ الذين يصِحُّ وصفُهم كذلك
بأنَّهم المُفلِحُون، أي: الذين أدرَكُوا ما طلبُوا، وسلِمُوا مما مِنه هربُوا إنَّما هم
على الحقيقةِ المُتَّقُون، الذين اتَّقَوا اللهَ - تبارك وتعالى - في ركوبِ ما
نهاهم عن ركوبِه، واتَّقَوه فيما أمَرَهم به مِن فرائِضِه، فأطاعُوه بأدائِها.
وهو بيانٌ لواقِعِهم ذكَرَه الإمامُ ابن جريرٍ الطبريُّ - رحمه الله -،
وأنَّ هؤلاء المُتَّقين قد خصَّهم ربُّهم - عزَّ وجل - بصِفاتٍ تُوضِّحُ حالَهم،
وتُرشِدُ إلى جميلِ خِصالِهم، وتستنهِضُ الهِمَم إلى اللِّحاق بهم
بانتِهاجِ نَهجِهم، وسُلوكِ سبيلِهم، فذكَرَ - سبحانه - صفاتِ القوم في صدرِ
سُورة البقرة، فقال - عزَّ مِن قائل -: بسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ:
{ الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ
إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }
[البقرة: 1- 4].