{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }
[الأحزاب: 70، 71].
إنَّ دينَ المرء وعقلَه يُوجِبان عليه استِشعارَ عِظَم شأنِ لِسانِه وما له
مِن تبِعَاتٍ وما عليه مِنها؛ فإنَّ عثرَةَ اللِّسان أشدُّ خطرًا على صاحِبِه
مِن عثرَةٍ برِجلِه، وإنَّ مكمَنَ خُطورتِه يبدُو في استِصغار حجمِه أمام
بقيَّة أعضاءِ جسَدِه.
فكَم مِن أرواحٍ أُزهِقَت بسببِه .. وكَم مِن أعراضٍ قُذِفَت مِن خلالِه ..
وكَم مِن حقٍّ قُلِبَ باطلًا، وباطِلٍ قُلِبَ حقًّا، كلُّ ذلكم بسببِ إعمالِ اللِّسان
فيما لا يجوزُ، أو إحجامِه عما ينبغي، في حين أنَّ أخطارَه وأضرارَه
أسرعُ في المُضِيِّ مِن نفعِه؛ لأن بعضَ الأفهام تعبَثُ بالأسماع،
فلا تعرِفُ لإحسانِ الظنِّ طريقًا، ولا للمحمَلِ الحسَنِ سبيلًا؛ فإنَّ الكلِمة
إذا خرَجَت مِن لِسان المرء لم تعُد مُلكًا له، بل تُصبِحُ كالكرة تتقاذَفُها
مضارِبُ اللاعِبِين بها، كلٌّ يُفسِّرُها بما يخدِمُ غاياتِه ومآرِبَه.
والواقعُ - عباد الله - أنَّ الناسَ مع ألسِنتهم ثلاثةُ أصنافٍ:
حكيمٌ، ونَزِقٌ، وجاهِلٌ.