إِنَّ الْحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ لِيَضْمَنَ الْحُرِّيَّةَ لِلْإِنْسَانِ؛ حَيْثُ إِنَّهَا إِحْدَى مُقَوِّمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ، وَهِيَ أَسَاسٌ لِأَيِّ مُجْتَمَعٍ إِنْسَانِيٍّ، وَلِذَلِكَ حَرَصَ الْإِسْلَامُ عَلَى تَحْصِيلِهَا وَتَهْذِيبِهَا وَتَقْوِيمِهَا، وَضَمِنَهَا لِلْمُسْلِمِ؛ حُرِّيَّةُ الْعَمَلِ وَالْمَأْوَى، وَالتَّمَلُّكِ وَالتَّعَلُّمِ، وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحُرِّيَّاتِ.
وَأَوَّلُ وَأَعْظَمُ وَأَرْقَى مَظْهَرٍ مِنْ مَظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ؛ هُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي هُوَ تَحْرِيرٌ لِلْإِنْسَانِ مِنْ قُيُودِ الْعُبُودِيَّةِ لِغَيْرِ اللهِ. الْحُرِّيَّةُ الصَّادِقَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالتَّذَلُّلِ للهِ وَالْعُبُودِيَّةِ لَهُ -جَلَّ فِي عُلَاهُ-؛ إِذْ فِي الْعُبُودِيَّةِ للهِ تَحَرُّرٌ مِنْ سُلْطَانِ الشَّهْوَةِ.