الحمد لله، الحمد لله جلَّت عظمتُه وتقدَّسَتْ، وبرزت قدرتُه وتجلَّتْ، وظهرَتْ حكمتُه وبهرَتْ، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ذلت له الرقاب والأصوات خشعت، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، تمَّت ببعثته النعمةُ والمنةُ، وبه النبوةُ خُتمَتْ، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان ما بزغت شمس وغربت.
أما بعدُ: فأوصيكم -أيها الناسُ- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله-، فمن استحكم صدى قلبِه صَعُبَ تلافيه، وأعرَض عنه مَنْ هو أعلمُ بما فيه، اجعلوا أبلغَ الهمِّ الاستعدادَ للمعاد، والتأهبَ لجواب الملك الجواد، فهو القائل -سبحانه-: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الْحِجْرِ: 92-93].
أيها المسلمون: من خير ما يُحرِز العبدُ وينال، يقينٌ يرقى به رُتَبَ الكمال، يقينٌ يكون للنفس صبحًا ونُجحًا، وغُنمًا ورِبحًا، اليقين سكون الفَهْم، واستقرار العلم، واطمئنان القلب لِمَا جاء عن الله ورسوله، هو لبابُ الإيمانِ ومخبَرُه، وحقيقتُه وجوهرُه، تنافَس فيه المتنافسون، وشمَّر إليه المجدون، وتَفاضَل به العارفون، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الْبَقَرَةِ: 4-5].