فيا أيها الناسُ اتقوا ربَّكم.
أيَّها المؤمنونَ: في مجلسٍ نبويٍّ مَهيبٍ؛ تغْشَاه سكينةٌ إيمانيةٌ وارفةٌ، ويعلوه إجلالٌ تعظيمٍ وقورٌ، كان الصحابةُ الأطهارُ -رضي اللهُ عنهم- يُشنِّفون مسامعَهم بعذْبِ حديثِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، والمُقَلُ شاخصةً لِمَرآه الوضيءِ -إذ برجلٍ من الأعرابِ قد ملأَ الإيمانُ حشاشةَ قلبِه، قادتْهُ خُطى صدقِه حتى أفضتْ به ركائبُه إلى رحبْةِ ذلك المجلسِ النبويِّ الميمونِ، وأقبلَ بسؤالِه إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، والصحابةُ- بما علموا من كراهةِ اللهِ إثقالَ نبيِّه -صلى الله عليه وسلم- بالمسائلِ وما قد تفضيه إلى العَنَتِ -كانوا يَهْتبلون مَقْدَمِ الأعرابِ من ذوي الحِجى والحكمةِ لسؤالِ لنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ ليظفروا بجوابِه المعصومِ؛ ليَبْنُوا على أساسِه الراسخِ تصديقًا وعملًا يبرهنُ الإيمانَ، ويزدادوا به إيمانًا مع إيمانِهم؛ جاء ذلك الأعرابيُّ مستفتيًا عن حِينِ قيامِ الساعةِ قائلًا: يا رسولَ اللهِ متى الساعةُ؟ وباتَ منتظِرًا جوابًا من النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يكونُ على مِنْوالِ ما سألَ، لكنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- صَرَفَه إلى ما هو خيرٌ له وأجْدى؛ إذ عِلْمُ قيامِ الساعةِ غيبٌ اختصَّ به علامُ الغيوبِ.