فلِلَّهِ ما أزكى هذا القائلَ، وما أزكى قولَه، كيف لا والذي بعثَه بالحق هو مَنْ قال عنه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[الْقَلَمِ: 4]، ووصفُ خُلقِهِ بأنَّه عظيم فيه إشارة إلى أن الأخلاق بالنسبة للناس كالأرزاق؛ فمنهم الغنيُّ، ومنهم المتوسطُ، ومنهم الفقيرُ، ومنهم المُفلِسُ بلا أخلاقٍ، وأمثالُ هذا هم شِرارُ الناسِ، ولقد صدَق رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حينَ قال لأُمِّ المؤمنينَ عائشة -رضي الله تعالى عنها-: "أَيْ عائشةُ، إنَّ شرَّ الناسِ مَنْ ترَكَه الناسُ اتقاءَ فُحشه"(رواه البخاري ومسلم).
إنَّه لا قيمة لمنصب بلا أخلاق، ولا لجاه بلا أخلاق، ولا لغنى بلا أخلاق، ولا لجيرة بلا أخلاق، ولا لصداقة بلا أخلاق، ولا لعلم بلا أخلاق، إنَّه لا قيمة لذلكم كله، بل هو خداج خداج غير تمام، فالمنصب بلا أخلاق معرَّة، والجاه بلا أخلاق أنَفَة، والغنى بلا أخلاق ممحوق البركة، والجيرة بلا أخلاق بلاء، والصداقة بلا أخلاق تسلُّق مقيت، والعِلم بلا أخلاق حِمْل ووبال، فسوء الخلق تهوُّر ذميم، يغتال الحكمةَ والعقلَ؛ فهو لا يُثمِر صلحًا وقُربًا، وإنَّما يُنبِت خصامًا وبُعدًا.