أيَّها المؤمنون: لِغايةِ العبوديةِ أوجدَ اللهُ -سبحانه- الثَّقَلين، وسخَّرَ لهم الكونَ وما حواه، قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]، وجَعَلَ ذلك الكونَ متَّسِقًا مع تلك الغايةِ؛ قيامًا بوظيفتِها التعبديةِ، وتذكيرًا بها، ودِلالةً على استحقاق الله لها، قال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)[الحج: 18].
ولتحقيقِ العبوديةِ سَاقَ -سبحانه- العبادَ بالوعدِ لمن حقَّقَها، والوعيدِ لمن أخْفَرَها، وجَعَلَ العقوباتِ زاجرًا عن مخالفةِ تلك الغايةِ، ونوّعَ تلك العقوباتِ طرائقَ قِدَدًا؛ دنيويةً وأخرويةً، حسيةً ومعنويةً، وكان أخطرَ تلك العقوباتِ العقوبةُ الخَفِيِّةُ التي لا تُرى، ولا يَشْعُرُ بها العاصي، ولا يُبْصرُ معها آثارَ ذنبِه؛ فَيَسْدُرُ في غيِّه، ولا يَلْوِي عنه حتى يُفْضيَ به إلى هُوَّةٍ سحيقةٍ مِن الهلاكِ.