لقد أمَرَنا الله - عزَّ وجل - في مواضِعَ كثيرةٍ مِن كتابِه بالنظر إلى السماوات
والأرض، نادِبًا إلى الاعتِبار بها، ومُثرِّبًا على الغافِلِين عنها، فقال في سُورة يُونس:
{ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ
عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ }
[يونس: 101]
، وفي سُورة الأعراف:
{ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ
وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }
[الأعراف: 185].
فلنتفكَّر - يا عباد الله - في عظمة هذا الكَون واتِّساعه، في السماوات وأفلاكِها،
والنُّجوم ومواقِعِها، والجِبال الشاهِقة، والبحار الغائِرة،
والصحارِي المُنقطِعة، فمَن تدبَّرَ ذلك علِمَ صِغَرَ حجمِه، وهوانَه وضعفَه،
وقِلَّةَ حيلتِه، وكُسِرَ كِبرياؤُه، وتواضَعَت نفسُه، وصدَقَ الله تعالى إذ يقول:
{ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ
الْجِبَالَ طُولًا }
[الإسراء: 37].
وكذلك إذا تفكَّر الإنسانُ في حالِه وأصلِ خِلقتِه، وأنَّه لم يكُن شيئًا مذكُورًا،
ثم مرَّ بأطوارٍ مُختلِفة، حتى استوَى خلقُه، وشقَّ الله فيه سمعَه وبصَرَه،
علِمَ مقدارَ ضعفِه وعجزِه، وأيقَنَ بفقره إلى ربِّه، وفضلِه تعالى ومِنَّتِه عليه،
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي
قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا
الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ
أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ }
[المؤمنون: 12- 14].