إنَّ في قولِ ربِّنا - عزَّ اسمُه - في وصفِ هؤلاء المُتَّقين:
{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }
[البقرة: 3]
فوائِد وأسرارًا بيَّنها أهلُ العلم بالتفسير بيانًا حسنًا وافيًا، ومِمَّن بيَّن
ذلك فأحسَنَ العلامةُ عبدُ الرحمن السعديُّ - رحمه الله -؛ حيث قال:
إنَّ الربَّ - تبارك وتعالى - الدالَّة على التبعيض؛ ليُنبِّههم أنَّه لم يُرِد مِنهم
إلا جُزءًا يسيرًا مِن أموالِهم غيرَ ضارٍّ لهم، ولا مُثقِلٍ عليهم، بل ينتَفِعُون
هم بإنفاقِه، وينتفِعُ به إخوانُهم.
وفي هذه الآية الكريمة إشارةٌ إلى أنَّ هذه الأموال التي بين أيدِيكم ليست
حاصِلةً بقوَّتكم ومِلكِكم، وإنَّما هي رِزقُ الله الذي خوَّلَكم، وأنعَمَ به عليكم،
فكما أنعَمَ عليكم وفضَّلَكم على كثيرٍ مِن عبادِه، فاشكُرُوه بإخراجِ بعضِ
ما أنعَمَ به عليكُم، وواسُوا إخوانَكم المُعدِمِين.
وأنَّ الله تعالى كثيرًا ما يجمعُ بين إقامةِ الصلاةِ وإيتاءِ الزَّكاة؛ لأنَّ الصلاةَ
مُتضمِّنةٌ للإخلاصِ للمعبُود، والزكاةُ والنَّفقةُ مُتضمِّنةٌ للإحسانِ إلى عَبيدِه،
فعُنوانُ سعادة العبدِ إخلاصُه للمعبُود، وسعيُه في نفعِ الخلق، كما أنَّ عُنوانَ
شقاوَة العبد عدمُ هذَين الأمرَين مِنه، فلا إخلاصَ،
ولا إحسانَ . اهـ كلامُه - رحمه الله -.