{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ
بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً }
[الروم: 54].
ناهِيكُم - بعد ذلكم كلِّه - عن غيابِ مفهوم الرِّزق والاستِرزاق،
وأنَّ الله الرزَّاق ذا القوَّة المتين هو مَن أمَرَ بالسعي والاكتِساب،
وبَذل الأسباب للتوازُن الاقتصاديِّ والمعيشيِّ، ومِنها سببُ الادِّخار والتوفير للمُستقبل.
نعم .. عباد الله! إنَّه الادِّخارُ بمفهومِه الجلِيِّ الذي هو الجُزءُ المُستبقَى
مِن دَخل المرء بعد حسم إنفاقِه الاستهلاكيِّ الخاصِّ والعامِّ.
الادِّخارُ - عباد الله - مبدأٌ عظيمٌ، وسُلوكٌ اقتصاديٌّ بالِغُ الأهميةِ لاستِقرار الفرد والمُجتمع،
معيشيًّا واقتصاديًّا؛ لأنَّ تغيُّرات الحياة لا مناصَ مِنها،
فتلك هي سُنَّةُ الله، ولن تجِدَ لسُنَّة الله تبديلًا، لذا كان الحذرُ والحِيطة
مِن الأسباب التي حضَّت عليها شريعتُنا الغرَّاء؛ لئلَّا يقعَ المرءُ في ضائِقةٍ تُلجِئُه
إلى السُّؤال والاستِجداء المذمُومَين، أو ارتِكابِ كبائِر مُحرَّمةٍ، كالسَّرقة،
والرِّبا، أو الالتِحاف بهمِّ الليل وذُلِّ النهار، الناتِجَين عن الدَّين الآسِر.
الادِّخارُ - عباد الله - يجمعُ عُنصرَين رئيسَين:
أحدهما: القناعةُ الفكريَّةُ به.
والآخر: السُّلوك الاستِهلاكيُّ للادِّخار.
والقناعةُ الفكريَّةُ - يا رعاكم الله - إنَّما تستقرُّ في الذِّهن مِن خلال
فهم النُّصوص الشرعيَّة في أهمية الادِّخار، ومشروعيَّته، والحاجة إليه في
الواقع الاقتصاديِّ، فإنَّ معيشة الإنسان مُرتهَنَةٌ بمدَى إحسانِه التوازُنَ الإنفاقيَّ له ولأهلِه.
وأما السُّلوكُ الاستِهلاكيُّ فإنَّه قُطبُ رحَى نجاحِ الادِّخار،
متَى ما استحضَرَ المرءُ حُسنَ التفريقِ بين ضروريَّاته
وحاجيَّاته وتحسيناتِه، مُخضِعًا ذلكم