ومِن تسلِية الله لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم -: أن ضرَبَ له العبدَ
الصالِحَ والنبيَّ المُصطفى داود - عليه السلام - مثَلًا في قُوَّة العبادة، فقال –
عزَّ مِن قائِل -:
{ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ }
[ص: 17].
قال السعديُّ - رحمه الله -:
مِن الفوائِدِ والحِكَم في قصة داود: أنَّ الله تعالى يمدَحُ ويُحبُّ
القُوَّةَ في طاعته: قُوَّة القلبِ والبدَن، فإنَّه يحصُلُ مِنها مِن آثار الطاعة
وحُسنِها وكثرتِها ما لا يحصُلُ مع الوَهن وعدم القُوَّة، وإنَّ العبدَ ينبغي
له تعاطِي أسبابِها، وعدم الرُّكُون إلى الكسَل والبَطالَة المُخِلَّة بالقُوَى، المُضعِفة للنَّفس .
ولم يقتصِر - صلى الله عليه وسلم - على بابٍ واحدٍ مِن أبوابِ تقوِية
الصِّلة بربِّه، بل تنوَّعَت وسائِلُه في ذلك.
ففي صحيح البخاري عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال:
نهَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوِصال في الصَّوم،
فقال له رجُلٌ مِن المُسلمين: إنَّك تُواصِلُ يا رسولَ الله، قال:
( وأيُّكُم مِثلِي؟ إنِّي أبِيتُ يُطعِمُني ربِّي ويَسقِينِ ).
أي: يشغَلُني بالتفكُّر في عظمتِه، والتملِّي بمُشاهَدتِه، والتغذِّي بمعارِفِه،
وقُرَّة العينِ بمحبَّته، والاستِغراقِ في مُناجاتِه، والإقبالِ عليه عن الطعامِ والشرابِ.
قال ابنُ القيِّم - رحمه الله -:
قد يكونُ هذا الغِذاء أعظمَ مِن غِذاء الأجساد، ومَن له أدنَى ذَوقٍ وتجرِبةٍ
يعلَمُ استِغناءَ الجِسمِ بغِذاءِ القلبِ والرُّوح عن كثيرٍ مِن الغِذاءِ الجُسمانيِّ،
ولاسيَّما الفَرِحُ المسرُورُ بمطلُوبِه الذي قرَّت عينُه بمحبُوبِه .
والذِّكرُ - عباد الله - عُمدةُ العبادات وأيسَرُها على المُؤمن، فلا غَرْوَ
أن يُكثِرَ العبدُ مِنه؛ امتِثالًا لأمرِ الله:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا }
[الأحزاب: 41].
قال ابنُ عطيَّة - رحمه الله -:
وجعلَ تعالى ذلك دُون حدٍّ ولا تقديرٍ؛ لسهولتِه على العبدِ،
ولعِظَم الأجرِ فيه .