{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ
لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
[ يونس: 62- 64 ].
أيها المسلمون:
إن الهيمَنَة لنَزعَة الشهوة والأثَرَة، وحبِّ الدنيا وكراهية الموت،
قد ولَّدَت في كوامِن كثيرٍ من المُجتمعات المُسلِمة قِسطًا وافِرًا من القُنوط واليأس،
وذوَبَان الأمل، والشعورِ المُستحكِم بأن سيادتَها في الأرض وريادتَها
فيهما نوعُ استِحالةٍ تجعلُ القناعةَ بمثلِ ذلكم لونًا من ألوان الرِّضا بالواقِع،
والاستِسلام للمُستجدَّات والمُدلهِمَّات أيًّا كان نوعُها،
حتى لو كان فيها ظُلمُ الإنسان وقهرُه، وإهدارُ كرامته، ومحوُ هويَّته.
مع أن حقيقةَ الإسلام وواقِعَه يُؤكِّدان أنه لا انفِصال بين العمل للدنيا والعمل للأخرى،
وأن ليس ثمَّة تغليبٌ للجسَد على حساب الروح، ولا للروح على حساب الجسَد.
إنما هناك تنظيمٌ دقيقٌ يجعلُ همَّة الإنسان المُسلِم والمُجتمعِ المُؤمن
في أن يتولَّى القيادة ويُمسِك بالزِّمام، فلا هي رهبانيَّةً تقتُلُ نداءَ الفِطرة والجِبِلَّة،
ولا هي ماديَّةً جوفاء، وأفئِدةً هواء، تتجاهلُ سناءَ الروح
وتطلُّعاتها إلى الرِّفعة والتمكين.
وهذا الحقُّ - عباد الله - هو ما يجبُ أن يعرِفَه عامَّةُ المُجتمعات المُسلِمة
بجلاءٍ ووضوحٍ، وأن تبُحَّ له حناجِرُ الباحثين عن الصالِح العامِّ لأمَّتهم ومُجتمعاتهم؛
فإن الله - جل وعلا - سخَّر آفاق السماء، وفِجاجَ الأرض، وجعلَها في خدمة الإنسان؛
ليعمُر أرضَه، ويخلُف فيها بالإصلاح والعبودية له وحده، وليكون عزيزًا مُطاعًا،
لا ذليلاً مُهانًا، وليكون متبُوعًا من قِبَل أُمم الأرض، لا تابِعًا.
فإن الله - سبحانه وتعالى - قد قال:
{ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ }
[ لقمان: 20 ].
ولذا - عباد الله - فإن هذا التسخيرَ الإلهيَّ لم يكُن عبَثًا بلا حِكمة،
ولا نعمةً لا تقتضِي شُكرًا يُشاهَدُ على أرض الواقِع، من خلال إقامة شرع الله في أرضه،
وإعلاء كلمتِه لتكون هي العُليا على هذه البسيطة،