{ فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }
[ الأعراف: 35 ]
من اتَّقى الله كفاه، ومن اتَّقى الناسَ فلن يُغنُوا عنه من الله شيئًا.
أيها المسلمون :
لما بزغَ نورُ الإسلام، ووردَت هداياتُه على نفوس أتباعه، أُشرِبَت قلوبُهم محبَّتَه،
وتعلَّقَت أفئِدتُهم بخدمته. فتعلَّموه وعلَّموه، وامتثَلُوه ونصرُوه،
وبذلُوا لأجلِه مُهجَهم وأرواحَهم، وهجَروا في سبيلِه الأوطانَ،
ساحُوا به وله في أرضِ الله.
وفي أخبار السِّيرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما استشارَ أصحابَه يوم بدرٍ
قال سعدٌ - رضي الله عنه -:
[ والذي نفسي بيده؛ لو أمرتَنا أن نُخيضَها البحر لأخَضناها،
ولو أمرتَنا أن نضرِبَ أكبادَها إلى بَركِ الغِماد لفعَلنا ]
رواه مسلم.
فكانت التضحياتُ والفِداءُ سِمةً بارِزةً في الجيل الأول من عصر الإسلام،
وكذلك كانت في أتباعِهم بعد ذلك. وكان الجهادُ الذي يحمِلُ رجالُه هذه المعاني
هو السَّيلُ الذي لا يُوقِفُه سدٌّ، والنازِلةُ التي لا تنتهِي عند حدٍّ.
ومن رحِم هذه المعاني وُلِدت كلمةُ خالد بن الوليد - رضي الله عنه - إلى ملكِ فارِس:
[ فقد جِئتُكم بقومٍ يُحبُّون الموتَ كما تُحبُّون الحياة ]
وكان جِهادُهم هدايةً ورحمةً وعدلاً، وطبَّقوا شريعةَ الإسلام بعبادة الله حقًّا،
وبتحقيق المصالِح وتكثيرِها، ودرءِ المفاسِد وتقليلِها، وحفظِ الضرورات للإنسان؛
بحماية دينِه، ونفسِه، وعِرضِه، وعقلِه، ومالِه. وهذه أصولٌ ومُسلَّماتٌ لا مِراءَ فيها.
وقامَت حضارةُ الإسلام بهذه الوظيفة الشريفة خيرَ قيامٍ،
وسبقَت كلَّ الحضارات بترسيخِ هذا المبدأ، عبر تقريرات فُقهائِها، وتطبيقات وُلاتِها؛