{ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ }
[النور: 2].
فإنَّ دينَ الله هو طاعتُه وطاعةُ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -،
المبنِيُّ على محبَّتِه ومحبَّةِ رسولِه - عليه الصلاة والسلام -،
وأن يكون الله ورسولُه أحَبَّ إليه مما سِواهُما؛ فإنَّ الرأفةَ والرحمةَ
يُحبُّهما الله ما لم تكن مُضيِّعةً لدينِ الله.
والشيطانُ يُريدُ مِن الإنسان الإسرافَ في أمورِه كلِّها، فإنَّه إن
رآه مائِلًا إلى الرحمةِ زيَّنَ له الرحمةَ، حتى لا يُبغِضَ ما أبغَضَه الله
ولا يغار لما يغارُ اللهُ مِنه، وإن رآه مائِلًا إلى الشدَّة، زيَّن له الشدَّة
في غيرِ ذاتِ الله، حتى يترُكَ مِن الإحسانِ والبِرِّ واللِّينِ والصِّلةِ
والرَّحمةِ ما يأمُرُ الله به ورسولُه - صلى الله عليه وسلم -،
ويتعدَّى في الشدَّة، فيزيدَ في الذمِّ والبُغضِ والعِقابِ على ما
يُحبُّه الله ورسولُه - صلى الله عليه وسلم -.
فهذا يترُكُ ما أمرَ الله به مِن الرحمةِ والإحسان، وهو مذمُومٌ مُذنِبٌ في ذلك،
وهذا يُسرِفُ فيما أمَرَ الله به ورسولُه مِن الشدَّة حتى يتعدَّى الحُدودَ،
وهو مِن إسرافِه في أمرِه؛ فالأولُ مُذنِبٌ، والثانِي مُسرِفٌ،
والله لا يُحبُّ المُسرِفين، فليقُولَا جميعًا:
{ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا
وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }
[آل عمران: 147] . اهـ.
وهذا الكلامُ فيما يتعلَّقُ بالعقوبات الشرعيَّة وأثَرها في مُعالَجَة القلوبِ
هو مِن نفائِسِ ودُرَر كلامِ شيخِ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -،
وجزاه هو وعلماء الأمةِ خَيرَ الجزاء.
نفَعَني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -،
أقولُ قَولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافَّة المُسلمين
من كل ذنبٍ، إنه كان غفَّارًا.