{ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }
[النجم: 32].
أي: على هذه التزكِية للنَّفس، والنظر إليها بعين التعظيم والإعجاب،
والإكثار مِن الثناء عليها، وغضِّ الطرف عن عيوبِها ومثالِبِها،
والرفض القاطع لأي إقرارٍ فيها بالنقص أو الخلَل أو التقصير.
وإنَّ مِن أسوأ ذلك - يا عباد الله -:
ما يكون مِن دعاوَى الهداية والفلاح، وسلامة المنهَج، وصوابِ المسلَك،
وصحَّة الطريق، ذلك المُتمثِّل فيما يزعمُه بعضُ مَن كثُرَت دعاواه ومزاعِمُه،
وقلَّت عليها براهينُه وحُجَجُه، بل انعدَمَت أو كادَت في أنَّه على هُدًى مِن ربِّه،
وأنَّه مِن المُفلِحين الذين أدرَكُوا ما فيه رغِبُوا، وسلِمُوا مما مِنه رهِبُوا.
ولما كان هذا الفريقُ مِن عبادِ الله موجودًا في كل زمانٍ بدعاواه ومزاعِمِه،
فقد تكلَّم ربُّنا - سبحانه - في مُحكَم كتابِه عن هذا بكلامِه المُرشِد الهادِي،
والمُبيِّن الناصِح، والمُحذِّر الناهِي الذي يُسفِرُ عن وجهِ الحقِّ في هذا الأمر،
ويدُلُّ على الصوابِ فيه، فينقَعُ الغُلَّة، ويشفِي العِلَّة، ويقطَعُ المعاذِيرَ المُلتوية،
ويُبطِلُ المزاعِمَ الكاذِبة، ويهدِي إلى سواء السبيل.
فدلَّ - سبحانه - بما ذكَرَ في هذا المقام على أنَّ الذين يصِحُّ وصفُهم
بأنَّهم على هُدًى مِن ربهم، أي: على نورٍ مِن ربِّهم وبُرهانٍ واستِقامةٍ،
وسدادٍ بتسديدِ الله إياهم وتوفيقهم له، وأنَّ الذين يصِحُّ وصفُهم كذلك
بأنَّهم المُفلِحُون، أي: الذين أدرَكُوا ما طلبُوا، وسلِمُوا مما مِنه هربُوا إنَّما هم
على الحقيقةِ المُتَّقُون، الذين اتَّقَوا اللهَ - تبارك وتعالى - في ركوبِ ما
نهاهم عن ركوبِه، واتَّقَوه فيما أمَرَهم به مِن فرائِضِه، فأطاعُوه بأدائِها.