والمؤمنُ مع إخلاصه عمَلَه لله، فإنَّه يسعَى جاهِدًا لأَن يُخلِّفَ أثرًا حسنًا
يبقَى نفعُه بعد موته، وألا يترُكَ أثرًا سيئًا يلحَقُه إثمُه بعد مُفارقَتِه الحياة،
قال عَزَّ مِن قائل:
{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ }
[يس: 12].
قال السّعدي رحمه الله: وآثارَهم وهي آثارُ الخير وآثارُ الشر التي
كانوا هم السبَب في إيجادها في حال حياتهم، وبعد وفاتهم،
وتلك الأعمال التي نشَأَت مِن أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم؛ فكلُّ خيرٍ
عَمِلَ به أحدٌ مِن الناس بسبَبِ علمِ العبد وتعليمه ونصحه،
أو أمرِهِ بالمعروف أو نهيِه عن المنكر، أو عِلمٍ أودَعَه عند المُتعلِّمين،
أو في كُتبٍ يُنتفَعُ بها في حياته وبعد موته، أو عَمِلَ خيرًا مِن صلاةٍ،
أو زكاةٍ، أو صدقةٍ، أو إحسانٍ، فاقتَدَى به غيرُه، أو عمِلَ مسجدًا أو
محلًّا مِن المحالِّ التي يرتَفِقُ بها الناس وما أشبَهَ ذلك،
فإنها مِن آثاره التي تُكتَبُ له، وكذلك عَمل الشَّر .
سبحان الله! كم مِن أُناسٍ كتَبَ الله لهم القَبُول، وخلَّدَ ذِكرَهم، وبقِيَت
آثارُهم، وكم مِن أُناسٍ بادُوا وهلَكُوا، وصاروا أحاديثَ وعِبرةً للمُعتبِرِين.