فاتَّقُوا اللهَ - عباد الله -، واعلَمُوا أن ثمَّة استِخفافًا يقعُ فيه كثيرٌ مِن
الناس إلا مَن رحِمَ الله، ألا وهو: استِخفافُهم بالذنوبِ والمعاصِي،
والتهوينِ مِن شأنِها، واستِسهالِ ارتِكابِها باحتِقار عِظَمِها وخُطورتِها،
وتسويغِ ذلكم بعفوِ الله والتغافُل عن أليمِ عِقابِه، وشديدِ عذابِه لمُرتكِبِيها
والمُصرِّين عليها، ويعمَلُون أعمالًا لا يُبالُون فيها، فهي في أعيُنِهم أدقُّ
مِن الشعر، وليست ذاتَ شأنٍ عندهم، ولا يتهيَّبُون إبَّان عملِها والقِيام بها.
والمرءُ الواعِي لا يستخِفُّ بصغيرةٍ؛ لعلمِه أن الجِبالَ مِن الحصَى،
وأن السَّيل باجتِماع النُّقَط، وأن مَن لا يستعمِلُ إلا الرَّجاء أسرَفَ في التقصير،
ومَن لا يستعمِلُ إلا الخوف أسرَفَ في التضيِيق،
والله - جلَّ وعلا - يقول:
{ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
[المائدة: 98]،
فالخوفُ والرَّجاءُ كالجناحين للطائِر يحمِيانِه مِن السُّقوط.
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -:
( إيَّاكُم ومُحقِّرات الذُّنوبِ، فإنما مثَلُ مُحقِّرات الذنوبِ كمَثَلِ قومٍ نزلُوا
بطنَ وادٍ، فجاء ذا بعُودٍ، وذا بعُودٍ، حتى جمَعُوا ما أنضجُوا به خُبزَهم،
وإن مُحقِّرات الذنوبِ متَى يُؤخَذ بها صاحِبُها تُهلِكْهُ )؛
رواه أحمد وغيرُه.
ألا إن المُؤمن الصادِقَ ليستحضِرُ عِظَمَ الذنبِ، وأثرَ المعاصِي في نقصِ إيمانِه،
وتعرُّضِه لسخَطِ الله وغضبِه، والمُوفَّق مَن لم يستسهِل ذنبًا
مهما صغُر.
فقد قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
( إن المُؤمنَ يرَى ذُنوبَه كأنَّه قاعِدٌ تحت جبلٍ يخافُ أن يقَعَ عليه، وإن
الفاجِرَ يرَى ذنوبَه كذُبابٍ مرَّ على أنفِه، فقال به هكذا )؛
رواه البخاري.