فاتَّقُوا الله تعالى حقَّ التقوَى؛ فهي المُدَّخَرُ في الدنيا والأُخرى.
عباد الله:
إنَّ القلبَ الحيَّ هو الذي تسُرُّه حسنتُه، وتسوؤُه سيِّئتُه، والقلبُ الميِّتُ
هو الذي لا يتألَّمُ بالمعصِية، ولا يُحِسُّ بها، ولا يفرَحُ بحسنةٍ ولا طاعةٍ،
ولا يشعُرُ بالعُقوباتِ على الذنوبِ، فتغُرُّه الصحةُ وإقبالُ الدنيا عليه،
وقد يظُنُّ النِّعمَ كرامةً له، قال الله تعالى:
{ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي
الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ }
[المؤمنون: 55، 56].
وفي الحديثِ:
( تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كما يُعرضُ الحصيرُ عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ
أنكرَها نُكِتَت فيه نُكتةٌ بيضاء، وأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَت فيه نُكتَةٌ سوداء،
حتى تصيرَ القلوبُ على قلبَين: قلبٍ أبيض كالصَّفا، لا تضُرُّه فتنةٌ
ما دامَت السماواتُ والأرضُ، وقلبٍ أسود مِربَادُّ كالكُوزِ مُجخِّيًا - أي:
منكُوسًا - لا يعرِفُ معروفًا ولا يُنكِرُ مُنكَرًا إلا ما أُشرِبَ من هواه ).
وأمراضُ القلوبِ كلُّها تُمرِضُ القلب أو تُميتُه بالكلية إذا لم يُحاسِبِ
المرءُ نفسَه.
ومن الحَزمِ والخيرِ للمرءِ أن يُحاسِبَ نفسَه في اليوم والليلة والجُمعة
والشهر والسنة؛ ليعلَم مِن حيث أُتِي، ويتوبَ ويستدرِكَ ما فرَطَ منه،
عسَى أن يُحمَدَ سعيُه، ويُوفَّقَ لحُسن الخاتِمة.
والمُؤمنُ حيُّ القلب، نافِذُ البصيرة، إن أُعطِيَ شكَر، وإن أذنَبَ استغفَر،
وإن ابتُلِيَ صبَر؛ ففي قلبِ المُؤمن واعِظٌ يُوقِظُه من الغفلة، ويُحذِّرُه
من المَهلَكَة.