المُتَمَيّزُون أَقوامٌ نُجَباءُ يَنْتَقُونَ لأَنْفُسِهِم أطايَبَ الكلامِ، وأحاسِنَ الأخلاقِ، وأكرمَ المقاصِد؛ لَهمْ أَنفسٌ زكيةٌ، يُحِبُّون الخيرَ للغيرِ كما يُحبُّونهُ لأَنفُسِهِم. لا يَحسِدُونَ مُتَفوقاً، ولا يَفرَحونَ بعثرةِ سائِر، يُدرِكُونَ أَنَّ طَرِيقَ النجاحِ واسِعٌ، وأَن أبوابَ الفَضْلِ بِيَدِ الله، وأنه (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[فاطر: 2].
المُتَمَيّزُون لم يُحققوا تَميزاً بعدَ فضلِ اللهِ عليهم إلا بسعيٍ حثيثٍ، وعَمَلٍ دَؤوٍبٍ، ومجاهدةٍ وإصرار. لم يَرْكَنوا إلى لَهْوٍ عَن الغاياتِ يُقْعِدُهُم، ولم يركَبوا طَرِيقاً عن المقاصِدِ يَصْرِفُهُم. يَسْتَثْمِرونَ كُلَّ وَقْتٍ بما يَلِيقُ بِه يُعطُونَ كُلَّ ذي حَقِّ حَقَّه. صَبَروا فَظَفَروا، بذلوا فَنالُوا، اجتهدوا فأدْرَكوا، وكَمالُ كُلِّ تَمَيُّزٍ بإِخلاصٍ صادِقٍ لله، بِه يَرْتَقِيْ المرءُ في منازِلِ الآخِرَة، وَمَنْ استعانَ بالله أعانَه.