بل بلغتْ به الاستكانةُ والانكسارُ واستشعارُ عظيمِ حقِّ اللهِ وحقيقةُ افتقارِه إليه أنْ تَقَالَّ أعمالَه حتى أوْصلَها منزلةَ العَدَمِ، فقال كما جاء في روايةٍ للبخاريِّ: "لاَ شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَه -صلى الله عليه وسلم-"، فكانت تلك المحبةُ واستكانتُها سببَ رفعةِ اللهِ له إلى منازلِ مَن أَحبَّ بشهادةِ يقينٍ نبويةٍ حين قالَ له النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "فإنِّك مع مَن أحببتَ".
قال ابنُ القيمِ: "ومَقْتُ النَّفْسِ في ذاتِ اللهِ من صفاتِ الصديقين، ويدنو العبدُ به من اللهِ -سبحانه- في لحظةٍ واحدةٍ أضعافَ أضعافَ ما يدنو به بالعملِ"، "فمن أرادَ اللهُ به خيرًا فَتَحَ له بابَ الذلِ والانكسارِ، ودوامِ اللَّجأِ إلى اللهِ -تعالى-، والافتقارِ إليه، ورؤيةِ عيوبِ نفسِه وجهلِها وعدوانِها، ومشاهدةِ فضلِ ربِّه وإحسانِه ورحمتِه وجودِه وبِرِّه وغناه وحمدِه".
فاللهمَّ اشهدْ أنَّا ما أعْددنا بين يدي الساعةِ كثيرَ قُربى سوى أنَّا نحبُّك ونحبُّ رسولَك -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكرٍ وعمرَ والصحابةَ الأطهارَ الذين دَللتَنا بسؤالِهم وروايتِهم على ذُخْرِ تلك المحبةِ؛ فاللهم ارزقنا صدقَ المحبةِ وألحقْنا بمَن أحببناهم غيرَ خزايا ولا مفتونين.