وبعدُ: فاتقوا اللهَ -عبادَ الله-، ثم اعلموا أن القلوبَ مخازنُ الأخلاقِ، وأن الشفاهَ أبوابُها، والألسنَ أقفالُها، والجوارحَ مفاتيحُها، فلَينظُرِ المرءُ ما يَفتَح منها وما يَقفِل، ولْيَحذَرِ الشدائدَ؛ فإنَّها تَكشِف مخازنَ الأخلاقِ، ولنستحضر جميعًا أنَّ الكمالَ لله وحدَه، والعصمةَ لنبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، فمَنْ ذا الذي ما ساء قطُّ ومَنْ له الحسنى فقط؛ إذ كُلُّنا بشرٌ نُخطئ ونُصِيب، ونغضب ونَحلُم، وتعلو أصواتنا على أصواتِ بعضٍ، ونُحسِن الظنَّ تاراتٍ، ورُبَّما أسأناهُ تاراتٍ أخرى؛ لذا كان حريًّا بنا أن نُروِّضَ أنفسَنا على كتم الغضب، أو التراجع عنه، وعلى أن نُذْكِيَ الحِلمَ في أنفسنا، ونُحسِنَ الظنَّ بالآخَرينَ، ونعود سريعًا إلى الصواب دون توانٍ؛ فإنَّ الناسَ إذا ساءت طباعُهم فهم أسواء، ولا يَمِيز بعضَهم عن بعض إلا أخلاقٌ يعيشون بها، وإنَّ الناس ليسوا سواءً في الأخلاق أيضًا، فَمْن مُقِلٍّ منهم وَمِنْ مُكثِرٍ، غيرَ أن على المرء زمَّ نفسه، عن الوقوع في شَرَكِ سوء الأخلاق، وعلى المجتمع أن يَشُدَّ بعضُه أزرَ بعضٍ في ذلكم؛ فالمتعلم يُرشِد الجاهلَ، والذاكرُ يَحُضُّ الغافلَ، واليقظانُ يُوقِظ الوسنانَ، فالمؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ يشدُّ بعضُه بعضًا؛ انطلاقًا من رائدَي الأسرة؛ الأب والأم، ثم مرورًا بالمدرسة، والسوق، والعمل، والجلساء؛ ليقطِفَ المجتمعُ المسلمُ أُنموذجًا بارزًا في المُثُل العليا، والأخلاق الحسنة، والحفاظ على سقفٍ ملائمٍ له مِنْ حُسن الخُلُقِ، المثمِر التوادَّ والتراحمَ والتعاطفَ، حتى لا تَغرَق سفينةُ لُحمَتِه، أو تتقاذفها أمواجُ الأهواءِ والإحنِ والتدابرِ، والله -جل وعلا- يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الْحُجُرَاتِ: 10].