عبادَ اللهِ: الأخلاق كلمة عامة، تشمل قولَ اللسانِ، وعملَ القلبِ والجوارحِ، فيدخُل فيها الأصولُ والفروعُ، عقيدةً وفقهًا وسمتًا، ألَا ترون قولَ عائشة -رضي الله تعالى عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كان خلقه القرآن"، وهل القرآن إلا تشريعٌ واعتقادٌ وأخلاقٌ؟! وهل الأخلاق إلا كالشجرة، يسقيها الحِلمُ والكرمُ، والصدقُ والتواضعُ، والصفحُ والتجاوزُ، والعفافُ وحُسنُ الظنِّ؟! فكلَّما قلَّ سقيُها، أو حُبِسَ عنها ذَبُلَتْ فماتت.
وإنه متى تمُتْ أخلاقُ المرء يُصبِحْ شيطانًا في جثمان إنس؛ لأنَّ انتساب المسلم إلى دِينه لا يُسقِط عنه وجوبَ التزامه بأخلاق دِينه الذي انتسَب إليه، فالدينُ الحقُّ يُعَدّ منظومةً متكاملةً من العبادات والأخلاق، فحصرُها في جانبٍ دونَ آخَرَ إزراءٌ بِنَبِيِّ الأمةِ -صلوات الله وسلامه عليه-، وبسلفها الصالح، فإنَّ الذي بعَثَه بأركان الإسلام هو الذي قال له: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[آلِ عِمْرَانَ: 159]؛ لأنَّه لا فائدةَ من نهج خليٍّ من الأخلاق، ولا أثرَ صالحًا متعديًا لمن ينتسِب إلى الإسلام وهو سليطُ اللسانِ، غليظُ القلبِ، يَلمِز هذا، ويشتم ذاك، ويغتاب هذه، ويرمي تلك، فالأخلاقُ ميدانٌ واسعٌ، يستوعِب كلَّ شأن من شؤون الحياة؛ فهو ليس مختصًّا بالصداقة وحسبُ، ولا بالقربى، ولا بالجوار، ولا بالدعوة، بل هو معنًى مُطلَقٌ لا يتنصَّف ولا يتجزَّأ، ولا يخضع للانتقائية