الأخلاق الحسنة -عبادَ اللهِ- هي عمادُ الأممِ، وأقنومُ حياتِها الهانئة، إِنْ سادَتْ أخلاقُهم سادُوا، وإِنْ بادَتْ أخلاقُهم بَادُوا، ولو كانوا أحياءً، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق؛ لأنَّ الأكلَ والمشيَ ليسَا من اختصاص حياة بني آدم وحسبُ، بل يَشرَكُهم فيهما البهائمُ والأنعامُ، وإنَّما أكرَمَهم اللهُ بعقول يستزرعون بها حُسنَ الخُلُق والسجايا الصالحة؛ لينشروا بها الرحمةَ والألفةَ، ويَئِدُوا البغضاءَ والشحناءَ، فإنَّ سُوءَ الخُلُق يُفسِد على القريبِ قرابتَه، حتى يصبح عدوًّا لدودًا، فإخوة يوسف -عليه السلام- قال بعضهم لبعض: (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ)[يُوسُفَ: 9]، وإنَّ حُسنَ الخُلُقِ يُكرِم البعيدَ، إذا تحلَّى به حتى يصبح قريبًا ودودًا، فالذي اشترى يوسفَ -عليه السلام- قال لامرأته: (أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا)[يُوسُفَ: 21].
نعم، -يا رعاكم الله-، بالأخلاق الفاضلة تَسُود الأممُ، وتستقرّ المجتمعاتُ، وتسمو الأُسَرُ، وتنحسر العداواتُ، وتنشرح الصدورُ، وإنَّما يُؤتى الناسُ من أخلاقهم، فلا قتلَ إلَّا بشحناء، ولا شحناءَ إلَّا بغضب، ولَا غضبَ إلا بضيق العَطَن، وما ضاق عَطَنُ امرئٍ قد استوَتِ السماحةُ على عرش فؤاده، وما يُلقَّى الخلقَ الحسنَ إلا مصابر، وما يُلقَّاه إلا ذو حظ عظيم.