بكى سفيانُ الثوريُّ ليلةً إلى الصباحِ، فلما أصبحَ قيل له: كلُّ هذا خوفًا مِن الذنوبِ؟ فأخذَ تبْنةً مِن الأرضِ، وقال: "الذنوبُ أهونُ مِن هذا، وإنما أبكي مِن خوفِ سوءِ الخاتمةِ", قال ابن القيم: "وهذا مِن أعظمِ الفقهِ, أنْ يخافَ الرجلُ أن تخذلَه ذنوبُه عند الموتِ؛ فتحُوُلُ بينه وبين الخاتمةِ الحسنى".
عبادَ اللهِ: إنَّ خفاءَ العقوبةِ يُوجِبُ على العبدِ أنْ يكونَ مُرْهَفَ الحِسِّ، يَقِظَ الضميرِ تُجاهَ الذنوبِ وعقابِها؛ وذلك يُحَتِّمُ عليه أنْ يكونَ شديدَ التحرُّزِ من مواقعةِ المآثمِ، وإنْ وَقَعَ فيها -وهو لا بدَّ واقعٌ- بادرَ باستصلاحِ الزللِ وغَسْلِ الحُوُبَةِ بطهورِ ماءِ التوبةِ النصوحِ, وإدمانِ الاستغفارِ، وأن لا يغرَّه إبطاءُ العقوبةِ أو خفاؤها؛ فإنما يُبادِرُ بالعقوبةِ مَن يخافُ الفَوْتَ، وسلطانُ اللهِ غالبٌ، وكيدُه متينٌ.