وكان هذا الفرض من أركان الإسلام -وهو الصيام- من إنعام الله -جل وعلا- على هذه الأمة؛ حيث جعله في أكمل صوره، وأحسن أحواله، وأعظم أجوره وثوابه، فإن الله -تعالى- قد كتب الصيام علينا كما كتبه على الذين من قبلنا؛ كما قال عز من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183]، فهذا خبرٌ من الله -جل وعلا- فيه الخطاب لأهل الإيمان، وأهل الإيمان إذا نُودُوا من الرب -جل وعلا-، فهذا تشريف لهم وتعظيم لما يُؤمَرون به؛ كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إذا سمعت الله يناديك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) فأرعِ لها سمعك، فإنه خير تُؤمَر به، أو شر تُنهى عنه"، ففي هذه الآية يخاطب الله أهل الإيمان بأنه كتب على أهل الإيمان الصيام كما كُتب على الذين من قبلنا: (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 183-184] ففي هاتين الآيتين يخاطب الله المؤمنين من هذه الأمة التي استجابت للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- واتبعته بالإيمان بأنه سبحانه قد أوجب عليهم الصيام وأمرهم به، وهذا حينما قال: (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) لأجل أن يتعزَّى أهلُ الإيمان، وألا يظنوا أنهم متفردون بهذا الأمر، فهي شِرعة ربانية ماضية في الأمم كلها، لكنها في هذه الأُمة على أكمل أوجُهِها، وأحسن تشريعاتها.