وأتوقف وإياكم عند هذه الجملة الأخيرة: "للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه"، وجاء في رواية: "للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه"، وهنا يبحث العلماء -رحمهم الله- معنى هذا الفرح؟ وكيف يكون؟ وما معناه ودلالته في هذا الحديث الشريف؟
وبادئ ذي بدء: فإن الفرح كما يعبر عنها أهل الاختصاص يقولون: الفرح لذة في القلب بإدراك المحبوب.
وتأملوا -أيها الإخوة المؤمنون-: كيف أن المؤمن بات يدرك ذلك بما هيَّأ الله له من الطاعة، وهنا حين يقول عليه الصلاة والسلام: "للصائم فرحتان"، فبيَّن أن ثمة واحدة معجَّلة هنا في الدنيا، والأخرى في الآخرة.
أمَّا فرح المؤمن عند فطره فهذا له معنيان: الأول: وهو أن النفوس قد جُبلتْ على أنها تميل إلى ما يُلائمها من الطعام والشراب ونحوهما، فإذا قطع عنها هذا، ومُنعتْ عن ذلك لسبب من الأسباب ولعارض مِن العوارض، ثم تهيَّأ لها هذا الذي مُنعَت منه، فإن ثمة من الفرح ما يكون عند الإنسان، وهذا أمر طبيعي جبلِّي، وبخاصة عند اشتداد حاجة الإنسان إلى هذا الذي انقطع عنه، ولكم أن تتأملوا حال ذلك الرجل الذي ذكَر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قصته؛ حينما أضلَّ راحلته، وعليها طعامه وشرابه، وأيقن أنه سيموت، فآوى إلى شجرة؛ قال أموت عندها، فإذا به يدركه النوم والإعياء، فلما استيقظ وأفاق نظر فإذا براحلته عند رأسه فأدركه فرح عظيم، حتى قال حامدًا لله: "اللهمَّ أنتَ عبدي وأنا ربُّك، أخطأ من شدة الفرح"،